مفارقات سوق الشغل في المغرب سنة 2025
في زمن لم تعد فيه الشهادات الجامعية وحدها مقياسًا للكفاءة، بدأت تتغير ملامح سوق الشغل بشكل واضح، سواء في المغرب أو في العالم بأسره. سنة 2025 كشفت الكثير من الحقائق، وأكدت أن ما كان يُعتبر في السابق مفتاح النجاح، لم يعد اليوم سوى جزء صغير من معادلة أكبر وأكثر تعقيدًا.
لقد أصبح من المألوف اليوم أن نسمع شابًا أو شابة يحملون شهادة الماستر أو الدكتوراه يشتكون من ضعف الأجور أو من صعوبة ولوج سوق الشغل، في حين نرى آخرين، قد لا تتجاوز مؤهلاتهم شهادة الإجازة أو حتى شهادة تقنية، يشغلون مناصب مهمة ويتقاضون رواتب مجزية. هذا الواقع دفع بالكثيرين إلى طرح سؤال جوهري: "واش بصح الشهادة ما بقاتش مهمة؟"
من الدبلوم إلى الأداء الفعلي
في الماضي، كان الحصول على شهادة عليا بمثابة جواز مرور مضمون إلى منصب محترم وأجر جيد. أما اليوم، فالوضع اختلف. أرباب العمل باتوا ينظرون إلى ما وراء الشهادات. فحين تقول لمسؤول توظيف: "أنا عندي ماستر وبغيت صالير محترم"، قد يرمقك بنظرة صامتة تدوم بضع ثوانٍ، وكأن لسان حاله يقول: "واش الماستر كافٍ؟ وريني شنو كتقدر تدير فعليًا!"
هذا التحول لم يأتِ من فراغ، بل نتيجة تراكمات وتجارب أثبتت أن الكفاءة الحقيقية لا تقاس بالورق، بل بما يمكن للمرشح أن يقدمه ميدانيًا. ولهذا، أصبح التركيز أكبر على ما يُعرف بـ"المهارات الناعمة" (Soft Skills)، مثل القدرة على التواصل، التعامل مع الضغوط، الذكاء العاطفي، مهارات القيادة، وحل المشكلات، أكثر من التركيز على الشهادة الأكاديمية بحد ذاتها.
المهارات الناعمة: العملة النادرة
قد يتساءل البعض: "علاش هاد المهارات ولات مهمة بزاف؟" الجواب بسيط. لأن المعرفة التقنية صارت متاحة للجميع، بفضل الإنترنت والمصادر التعليمية الرقمية. اليوم، أي شخص يمكنه أن يتعلم البرمجة، التسويق الرقمي، التصميم، أو غيرها من المهارات التقنية وهو جالس في منزله. لكن، من الصعب جدًا أن تجد من يمتلك قدرة عالية على التواصل الفعّال، أو يعرف كيف يدير مشروعًا تحت ضغط الوقت والموارد، أو يستطيع أن يتعامل بذكاء مع زبون صعب أو فريق عمل متوتر.
بل إن هناك من المقاولين ومديري الموارد البشرية من يقولون صراحة: "علمنا أي مهارة تقنية فشهر، ولكن ما نقدروش نعلموه كيفاش يكون منظم أو متزن نفسيًا، هادشي كيجي مع التجربة ومع العمل على النفس."
الشارع المغربي يقول كلمته
عندما ننزل إلى الشارع، نسمع حوارات كثيرة تدور حول هذه الفجوة بين الشهادة والمهارة. شاب من الدار البيضاء يقول: "أنا قريت حتى خديت الماستر فالاقتصاد، ولكن ملي مشيت نقلب على خدمة، لقيت راسي كننافس مع ناس عندهم غير الباك +2، ومع ذلك، هوما خدامين وأنا مزال."
وفي طنجة، تحكي فتاة: "دخلت شركة فالاستقبال، ولكن حيث كنت كتواصل مزيان وكنخدم بجد، عطاوني فرصة فالتسويق، ودابا مسؤولة على فريق. وأنا حتى الإجازة ما كملتش!"
هؤلاء ليسوا استثناء، بل أصبحوا القاعدة الجديدة. فالمؤسسات لم تعد تبحث عن "المؤهل"، بل عن "المؤهل الفعلي"، أي الشخص الذي يستطيع أن يُنجز، ويُقنع، ويُبدع، ويتطور.
مفارقات داخل نفس الشركة
ومن المفارقات التي صارت تتكرر كثيرًا، أنك قد تجد داخل الشركة الواحدة موظفًا بشهادة بسيطة يشغل منصبًا حساسًا، وربما يدير فريقًا يتضمن حاملي ماستر أو دكتوراه. ليس لأنه أكثر علمًا، بل لأنه أظهر قدرة على القيادة، على اتخاذ القرار، على بناء علاقات جيدة داخل وخارج الشركة.
هذا ما يجعل البعض يتساءل: "علاش هاد المفارقة؟" والإجابة تكمن في أن الشركات لم تعد تتأثر بالألقاب الجامعية بقدر ما أصبحت تقيّم النتائج.
هل انتهى زمن الشهادات؟
لا، الشهادات ما زالت لها قيمة، لكنها لم تعد كافية. هي فقط إشارة إلى أن الشخص تلقى تكوينًا أكاديميًا، لكن لا تعني بالضرورة أنه قادر على الاشتغال في بيئة ديناميكية تتطلب مبادرة، مرونة، وإبداعًا.
وفي الوقت الذي تزداد فيه مؤسسات التكوين الأكاديمي، وتنتشر فيه الشهادات بكثرة، تظل المهارات الناعمة عملة نادرة، لا يمتلكها إلا من عمل على تطوير نفسه، سواء من خلال الورشات، أو التكوينات الذاتية، أو ببساطة من خلال التجارب الحياتية والمهنية.
التحدي الحقيقي: التكوين المستمر والعمل على الذات
هنا يكمن السر: النجاح المهني اليوم لا يرتبط فقط بما درسته، بل بقدرتك على التعلم المستمر، على التأقلم، وعلى التواصل الجيد. هذه المهارات ليست هدية تُمنح، بل ثمار مجهود شخصي طويل، وانفتاح على النقد الذاتي، ورغبة دائمة في التطوير.
ولهذا، كثير من ورشات التطوير المهني اليوم تركز على بناء هذه القدرات، وتشجع المشاركين على تجاوز عقلية "أنا عندي شهادة" إلى عقلية "أنا عندي ما أقدمه".
خلاصة
لقد تغيرت قواعد اللعبة. وأصبح على كل من يبحث عن النجاح في سوق الشغل أن يُدرك أن الشهادة ليست سوى البداية، وليست نهاية المطاف. القيمة اليوم في ما تعرف فعله، لا في ما تحمله من أوراق. والفرق بين من يتقدم ومن يبقى في مكانه لا يكمن في عدد السنوات الدراسية، بل في عدد المهارات المتراكمة، وفي قوة الشخصية، والمرونة، والقدرة على التأثير والإقناع.
فإن كنت تتساءل: "علاش الآخر كيزيد القدّام وأنا حابس بلاصتي؟" فربما الجواب ليس في درجتك العلمية، بل في نوعية المهارات اللي كتشتغل عليها كل يوم.